الصورة السابقة: سلسلة صور من حياة الثابتين: (3) الشهيد سيد قطب
إخواني و أخواتي شباب الصحوة المباركة:
لازلنا معكم في هذه السلسلة المباركة، نعرض المواقف ، و نأخذ العظة و العبرة منها، لتكون زاداً لنا في المضي على طريق الأنبياء و الأولياء، علّنا نجتمع بهم في نهاية المطاف مع سيد الثابتين صلى الله عليه و سلم.
و اليوم سنأخذ صورة من حياة أحد الثابتين الأبطال، الذين اشتهروا بثباتهم و قدموا أنفسهم رخيصة في سبيل الله تعالى، إنه الشيخ المجاهد عمر المختار -رحمة الله تغشاه-.
تربى الشيخ عمر المختار في الزوايا السنوسية في ليبيا، ثم وقف نفسه لنصرة الإسلام والذبّ عن حياضه، خاصة بعد دخول الإيطاليين ليبيا سنة 1911م، حيث جاهد الشيخ الكفار جهادًا عظيمًا قرابة عشرين سنة لم يتوان و لم يتذبذب، بل ثبت ثباتًا عظيمًا مشرفًا، حيث إذا أُلقى القبض عليه سنة 1931م أظهر ثباتًا عظيمًا، لكن ثباته كان مضرب الأمثال، ولننظر كيف قُبِض عليه وما جرى بينه وبين الحاكم العسكري الإيطالي في ليبيا.
( ينتسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة[] ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية..
تربى يتيما ..حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.
تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور[] ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسى قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل،، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه " لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم ".
فقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم، )"ذهب ـ كعادته ـ في نفر قليل يُقدر بأربعين فارسًا يستكشف العدو، ويتفقد مراكز إخوانه المجاهدين، ومرَّ بوادٍ صعب المسالك كثير الغابات، و علمت به القوات الإيطالية بواسطة جواسيسها!، فأمرت بتطويق الوادي، فما شعر المختار و من معه إلا و هم وسط العدو، و دارت معركة، وعلى الرغم من كثرة عدد العدو و احتياطاته تمكن المجاهدون من خرق صفوفه، ففاجأتهم قوة إيطالية أخرى، وكانت ذخيرتهم على وشك النفاذ، فاشتبكوا في معركة جديدة قُتل فيها جميع من بقي مع المختار، و قُتل حصانه أيضًا و وقع عليه، فتمكن من التخلص من تحته، وظل يقاتل وحده إلى أن جرح في يده، ثم تكاثر عليه الأعداء، وغُلب على أمره، و أسروه وهم لا يعرفون من هو، ثم عُرف و أرسل إلى سوسة، و منها أُركب الطراد "أوسيني" إلى بني غازي حيث أُودع السجن، وعزا المختار في حديثه عند قدومه إلى بنغازي سبب وقوعه في الأسر إلى نفاذ ذخيرته، و أكد للمتصرف الإيطالي أن وقوعه في الأسر لا يضعف من حدة المقاومة إذ أنه اتخذ التدابير ما يكفل انتقال القيادة من بعده إلى غيره.
و ختم المختار قوله بكلمات خالدات لابد أن نلقنها لأبنائنا جيلاً بعد جيل؛ لتكون مثلهم الأعلى في التوكل على الله، والثبات على الحق فقال: "إن القبض عليّ و وقوعي في قبضة الطليان إنما حدث؛ تنفيذًا لإرادة المولى عز وجل، و إن كنت قد أصبحت الآن أسيرًا بأيدي الحكومة فالله وحده يتولى أمري"، ثم أشار إلى الطليان و قال: "وأما أنتم فلكم الآن -وقد أخذتموني- أن تفعلوا بي ما تشاءون، و ليكن معلومًا أني ما كنت في يوم من الأيام لأسلم لكم طوعًا".
وحدث مرة أن خرج إلى القاهرة من برقة لغرض من أغراض الجهاد، فاجتمع إليه مشايخ من قبيلة في مصر- في قلوبهم ضعف العزيمة ويأس الشيوخ- و جعلوا يحاولون أن يثنوه عن عزمه و جهاده بسبب بلوغه سن الشيخوخة، فغضب و قال لهم: "إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيرًا لي، لأن ما أسير فيه إنما هو طريق الخير، و لا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكه، و كل من يحاول ذلك فهو عدو لي".
ونختم بموقف جميل له أثناء التحقيق معه، إذ خاطبه "جرازياني"، قائد الحملة الصليبية الإيطالية في ليبيا وكان لعمر المختار آنذاك 73 سنة:
ـ هل سمعت ما ينُسب إليك من تهم خطيرة؟
ـ نعم، وسأجيب عنها كلها واحدة واحدة مهما كبرت وخطرت.
و انطلق المختار يقص مأساة ليبيا منذ الاحتلال، و المفاوضات التي دعاه إليها رجال الاحتلال، و الوعود الكاذبة و النكث بها، و تكلم عن الظلم و الطغيان و الاغتصاب و انتهاك الحرمات و تحقير المقدسات..
ـ هل أنت قائد العصيان ضد إيطاليا؟
ـ نعم، أنا هو.
ـ هل حاربت الدولة الإيطالية؟
ـ نعم حاربتها.
ـ إني أكرر السؤال عليك فانتبه لنتائجه: هل حاربت الدولة الإيطالية، فتناولت السلاح في وجه قواتها، واشتركت في قتاله؟
ـ نعم، نعم، نعم.
ـ كم هو عدد المعارك التي اشتركت فيها من سنة: 1911 حتى اليوم؟
ـ لا أذكر عددها لأنها كثيرة لا تحصى.
ـ منذ كم سنة توليتَ قيادة العصيان؟
ـ منذ عشر سنوات.
وعلى هذا المنوال سارت المحاكمة كلها. و كان "جرازياني" قد عرض عليه عفوًا شاملاً مقابل أن يكتب للمجاهدين يدعوهم إلى وقف القتال و تسيلم أنفسهم و أسلحتهم للحكومة، فرفض المختار قائلاً "إن هذا العمل لا يُرضي ضميري و ديني". و أُعدمَ، ثابتًا راسخًا مؤمنًا، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
الموضوع منقول من الموقعيت التاليين :
http://www.yemen-sound.com/vb/showthread.php?t=58791http://montada.sptechs.com/movies/topic17649.html